ملتقى الجمان ميزان الحق

الشيخ علي حسن

في خضم إشكاليات الحياة وتفاصيل الواقع ومعطيات حركة التاريخ، غالباً ما تضيع صورة الحقيقة، ويكون اللا يقين هو سمة الموقف عند كثير من الناس. ولعل من أجل ذلك قدّم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أفراداً من أمته ليمثلوا الفيصل في الموقف، والفرقان بين الحق والباطل.



تقتله الفئة الباغية:

مثّلت كلمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحق الصحابي الكبير عمار بن ياسر (ويح عمار، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار) (صحيح البخاري) كلمة الفصل في الموقف عند جماعة من المقاتلين في معركة صفين، فقد كانت هذه الحرب فتنة في دوافعها ومفاهيمها وآثارها وأحداثها، وتلبّس الأمر على هذه الجماعة، حتى إذا استشهد عمار رضي الله عنه انجلى الغمام واتضحت الصورة عندهم، وتحول شكهم إلى يقين. قال النووي: (وكانت الصحابة يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم بأنه مع الفئة العادلة، لهذا الحديث).



يرضى لرضاها:



وهكذا كانت الزهراء فاطمة عليها السلام ميزاناً للحق، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لها: (إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك) (المستدرك على الصحيحين ومجمع الزوائد) وليس في الأمر مجاملة، ولا هو موقف عاطفي تجلى في لحظة غضب أو رضا، بل هو قولٌ فصلٌ قدّمه النبي لأمته ليكون الفيصل في الحكم حين تلتبس على الناس الأمور. وهو ـ في ذات الوقت ـ ميزان عام لا يُحد في موقف ولا يؤطَّر في زمن، بخلاف حديث (تقتله الفئة الباغية). ولعل ترسخ هذا المفهوم عند المسلمين هو الذي دفع الخليفة أبا بكر إلى عيادة الزهراء عليها السلام قبل وفاتها بعد موقفه من قضية فدك، ووجْد فاطمة عليه كما جاء في صحيح البخاري (عن عروة، عن عائشة: أن فاطمة عليها السلام، بنت النبي صلى الله عليه وسلم، أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك، وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نورَث، ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد صلى الله عليه وسلم في هذا المال". وإني والله لا أغير شيئاً من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأعملن فيها بما عمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك.



لا يحبه إلا مؤمن:

ولم يختلف الأمر مع الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، فقد أكّد النبي بكلمات متعددة وبأساليب متنوعة على حقيقة كون علي ميزاناً للحق، فمما روي عنه قوله:

ـ (الفاروق بين الحق والباطل علي) (المستدرك على الصحيحين)

ـ (علي مع القرآن والقرآن مع علي) (مجمع الزوائد)

ـ (علي مع الحق والحق مع علي) (منتخب كنز العمال)

ـ عن السيدة أم سلمة رضي الله عنها: (سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق) (مسند الإمام أحمد). ومن هنا كان بعض الصحابة يتحرون المنافقين من خلال موقفهم من الإمام علي.. قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: (كنا نحن معاشر الأنصار نعرف المنافقين ببغضهم لعلي بن أبي طالب) (سنن الترمذي). كما أكّد الإمام علي بنفسه على هذه الحقيقة حيث قال: (لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجملتها على المنافق على أن يحبني ما أحبني وذلك أنه قضي فانقضى على لسان النبي الأمي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق) (شرح نهج البلاغة).



سر العلاقة:

ولك أن تسأل عن سر العلاقة بين العاطفة والحقيقة، فربما ينبض قلبك بحب من يختلف معك، وربما ينبض قلبك ببغض من يتفق معك، ولربما تفترض أن يحب المنافق علياً لصفاته، فهو الشجاع البطل وهو العالم العادل!

إلا أن السر يكمن في أن حب علي عليه السلام ليس مسألة تتصل بالقلب في بساطة المشاعر، بل تتصل بالعقل في عمق الوعي والإيمان، لأن علياً كان إيماناً كله، ولذلك فالمؤمن الذي يعيش حقيقة الإيمان لابد أن يحب علياً، والمؤمن الذي أحب الله الذي آمن به علي وعرفه وجاهد في سبيله، لابد أن يحب علياً، والمؤمن الذي أحب رسول الله لابد أن يحب علياً، والمؤمن الذي أحب الإسلام لابد أن يحب علياً، فلا انفصال بين علي وبين النبي وبين الإسلام وبين الحق. أما المنافق الذي اختزن الكفر في قلبه، وكان الإيمان خداعاً وتلبيساً للحقيقة، فإنه يبغض الإيمان ويبغض أهله، فلابد أن يبغض علياً، لأن علياً هو الإيمان كله، تماماً كما قال رسول الله حين برز علي لعمرو بن عبد ود في الخندق: (برز الإيمان كله إلى الشرك كله).

وما أجمل تحليل الحافظ ابن حجر في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري) حيث قال: (وقوله: في الحديثين: "إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله" أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة. وفي الحديث تلميح بقوله تعالى: " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله" فكأنه أشار إلى أن علياً تام الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه قال "والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق") وكما لا يكفي أن يحب العبد ربه بل لابد من العمل والاتباع، فكذلك لا يكفي أن يحب المسلم نبيه، إذ لابد من العمل والاتباع، ولا يكفي أن يحب المسلم علياً بل لابد من العمل والاتباع.علي عليه السلام اقتحم حصون خيبر ودخلها عنوة وقتل بطلهم مرحباً حين سلمه النبي صلى الله عليه وآله الراية وقال (لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه).


l منقول

يسلمو عالنقل

حـيآإك الله ..

يسلمو علموضوع